ست الحسن والجمال
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


عن كل شئ في الدنيا
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 فن التعامل النبوي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
اميرة




المساهمات : 1
تاريخ التسجيل : 24/05/2011

فن التعامل النبوي  Empty
مُساهمةموضوع: فن التعامل النبوي    فن التعامل النبوي  Icon_minitimeالثلاثاء مايو 31, 2011 7:31 pm


د. راغب السرجاني
كمال التشريع الإسلامي

إن التشريع الإسلامي قد بلغ الذروة في الكمال والإتقان، وإنه قد بلغ الغاية في الإبداع، ويكفي في وصف هذا التشريع المحكم ما ذكره ربنا في كتابه في أخريات ما نزل من القرآن الكريم عندما قال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3].

فالدين كامل ليس فيه نقص، والنعم تامة لا يعتريها قصور، والتشريع لم يترك صغيرة ولا كبيرة إلا وبيَّن حكمها وطريقة التعامل معها، يقول تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 38]. ويقول الرسولفي الحديث الذي رواه العرباض بن سارية t: «قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا، لاَ يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلاَّ هَالِكٌ»[1].
فن التعامل النبوي

التعامل النبويولا شكَّ أيضًا أن حياة الرسولكانت تطبيقًا عمليًّا لكل حُكم من أحكام الشريعة، فخرَّجت لنا هذه الحياة في شكلٍ بديعٍ، شمل كل المتغيرات التي من الممكن أن تقابل الفرد أو الجماعة، أو الأمة ككل.

فالرسولتعامل في حياته مع كل الطوائف التي من المحتمل أن يتعامل معها المسلمون، ومر بكل الظروف التي من الممكن أن تمر بها الأمة الإسلامية؛ فهذه ظروف حرب وهذه ظروف سلم، وهذه أيام غنى، وهذه أيام فقر، وهذه فترات قوة، وهذه فترات ضعف.

ولقد شهدت السيرة النبوية إعجازًا إلهيًّا واضحًا جليًّا في تكثيف كل الأحداث التي من الممكن أن تواجه المسلمين في أي زمان وفي أي مكان، وذلك في ثلاث وعشرين سنة فقط؛ حتى يتحقق التوجيه الرباني الحكيم: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21].

ولقد تعامل رسول اللهمع كل الأمور التي واجهته بطريقة فذة، وبسنة مطهرة أخرجت لنا كنوزًا هائلة من فنون التعامل، ومن آداب العلاقات، وبرز في كل ذرة من ذرات حياته العنصر الأخلاقي، كعنصر مؤثر تمامًا على كل اختيار من اختياراته، فلا يخلو -حقيقةً- أيُّ قول أو فعل لرسول اللهمن خُلُقٍ كريم، وأدب رفيع، بلغ إلى هذه الذروة، ووصل -بلا مبالغة- إلى قمة الكمال البشري، وهذا الذي نستطيع أن نفهم منه قوله: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاَقِ»[2].

وهكذا فلا يخلو موقفٌ ولا حدثٌ ولا قولٌ، ولا ردُّ فعلٍ من بروزٍ واضح لهذه الأخلاق الحميدة، حتى في المواقف التي يصعب فيها تصور الأخلاق كعاملٍ مؤثرٍ، وذلك كأمور الحرب والسياسة، والتعامل مع الظالمين والفاسقين والمحاربين للمسلمين والمتربصين بهم.
أخلاق الرسول

لقد كانت معضلة حقيقية عند كثير من المتعاملين بالسياسة أن تنضبط تعاملاتهم بأُطُر أخلاقية وضوابط إنسانية، ولكن الدارس للسيرة النبوية، المتمعن في مواقفها يجد هذه الأطر وتلك الضوابط الأخلاقية واضحة في كل مواقف السيرة بلا استثناء.

ولا غرو، فهذا الخلق هو الذي وصفه اللهبالعظمة، حيث قاليخاطبه: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4].
عظمة التعامل النبوي

ومن هنا فإن عظمة السيرة النبوية لا حدود لها؛ فهي عظمة في النظرية، وعظمة أيضًا في التطبيق.. لقد أثبت رسول اللهأن القواعد المثالية الراقية التي جاءت في كتاب اللهما هي إلا قواعد عملية قابلة للتطبيق، وأنها صالحة لتنظيم حياة البشر أجمعين، وأنها الدليل الواضح لمن أراد الهداية بصدق. كما كانت حياتهترجمة صادقة لكل أمر إلهي، وقد صَدَقَت ووُفِّقت أم المؤمنين عائشة[3] في وصف أخلاقهعندما قالت: «كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ»[4].

وفي هذه المقالات -الذي أسأل الله أن يجعلها خالصًا لوجهه- نفتح صفحةً واحدةً من الصفحات الباهرة في ديننا، وفي سيرة رسولنا الكريم.. نَصِف فيها كيف تعامل الرسول الأعظم والنبي الأكرم محمدمع غير المسلمين.

إنها صفحة بيضاء نقية، ما أحسب أن الفلاسفة والمنظِّرين والمفكرين قد تخيلوا مرة في أحلامهم أو أوهامهم أنها يمكن أن تكون واقعًا حيًّا بين الناس، حتى إن أفلاطون[5] في جمهوريته والفارابي[6] في مدينته الفاضلة، وتوماس مور[7] في مدينته الفاضلة الثانية (اليوتوبيا) لم يصلوا في الأحلام والتنظير إلى معشار معشار ما كان عليه رسولنافي حقيقته وواقعه.

وأحب أن أُنَبِّه أنني سأتناول في هذه المقالات تعامل النبيمع غير المسلمين من المسالمين المعاهدين، ولن أتناول الحديث عن أعدائه أو الأسرى؛ ذلك لأنهم ليسوا أفرادًا في المجتمع المسلم، وسوف نُفْرِد لهم مقالات قادمة إن شاء الله تعالى.

ويا ليت المسلمين يدركون قيمة ما في أيديهم من كنوز فيدرسونها ويُطبِّقونها، ثم ينقلونها إلى مشارق الأرض ومغاربها؛ ليسعدوا وتسعد بهم البشرية، وليكونوا سببًا في هداية الناس لرب العالمين.
[1] رواه ابن ماجه في سننه (43)، وأحمد في مسنده (17182)، والحاكم في المستدرك (331)، وقال الشيخ الألباني: صحيح.
[2] رواه الحاكم في المستدرك عن أبي هريرة t (4221)، وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. وقال الذهبي في تلخيصه: على شرط مسلم. وكذلك رواه البيهقي في سننه (20571)، وأورده الألباني في السلسة الصحيحة برقم (45).
[3] هي أم المؤمنين عائشة بنت الصديق ل، زوج النبي في الدنيا والآخرة. كانت أحب زوجاته إلى قلبه، وكانت من علماء الصحابة، توفيت سنة 58هـ. انظر: ابن حجر: الإصابة، الترجمة رقم (11449)، وابن الأثير: أسد الغابة 6/191.
[4] رواه أحمد (25341)، وقال شعيب الأرناءوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين. ورواه البخاري في الأدب المفرد (308)، وصححه الألباني. انظر: صحيح الجامع (4811).
[5] أفلاطون (427 - 347 ق. م): فيلسوف ومعلم يوناني قديم، يُعَدُّ واحدًا من أهم المفكرين في تاريخ الثقافة الغربية، حتى إن الفلسفة الغربية اعتبرت أنها ليست إلاَّ حواشي لأفلاطون. وكلمة (أفلاطون) كنية تعني ذا الكتفين العريضتين، أما اسمه الحقيقي فهو «أرستوكليس». من أشهر كتبه: جمهورية أفلاطون.
[6] أبو نصر محمد الفارابي (260 - 339هـ): فيلسوف أتقن علوم الفلسفة، وبرع في العلوم الرياضية، وكذلك الطب وإن لم يمارسه. يُنسب إلى فاراب، وهي جزء مما يعرف اليوم بتركستان. من أشهر كتبه: المدينة الفاضلة.
[7] توماس مور: قديس وفيلسوف وسياسي إنجليزي، اشتهر بكتابه المدينة الفاضلة (اليوتوبيا). ولد سنة 1478م، وتوفي سنة 1535..


المصدر:منتدي ست الحسن والجمال
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
فن التعامل النبوي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
ست الحسن والجمال :: الفئة الأولى :: المنتدى الأول-
انتقل الى: